جاء الإسلام لهذه البشرية منقذاً لها مما كانت تعانيه من التشرذم والعشوائية في جميع الحياةونزّهها من لوثة الجاهلية الجهلاء والضلالة العمياء، فأخذ بيدها وسمى بها لطبقات النزاهة العليا وأجلسها فوق عرش الأخلاق وعلّمها الرقي في التعامل وفقهها منهجية التفكير الواعي، ودرّسها سبل السعادة والنجاح في هذه الحياة
وإن من أقدس ما علّمه الإسلام لهذه البشرية هو إقامة العلاقات الأخوية، وأخص من ذلك خلق "الحب في الله" هذا الحب الذي أجلّ وأعظم من مارسه هو الجليل جل جلاله: (إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ ويُحِبُّ المُتَطَهِّرِينَ) وكان نبينا الكريم أعظم البشر في تطبيق هذا المبدأ، روى الإمام أحمد في مسنده قوله صلى الله عليه وسلم: "أوثق عرى الإيمان أن تحب في الله وتبغض في الله" الله أكبر!.. لقد غدا الحب متطلب إيماني أي أنه كلما زاد حبك لإخوانك كلما زاد إيمانك وهذا ما عرفته عن بعض الشباب حيث أنه ما تميز إيمانياً ولا رقّ قلبه إلا بسبب حبه لإخوانه...
وهاكم هذا الدرس مما رواه ابن الجوزي عن الخليفة الصنديد الذي يخافه الجميع وممن اشتهر بالشدة إنه عمر رضي الله عنه الذي يفرُّ الشيطان منه، ها هو يقول لأحد أصحابه: "والله ما نمت البارحة و إني لأتطاول الليل فقال له أخوه، ما بالك؟ فقال عمر "لقد شغلت قلبي فاشتقت إليك". أيها الأخوان هل هذا خيال؟ لا.. ليس خيالاً فهذا الأمر سهل الحصول إن صفت النفوس وبرأت القلوب، ولقد كان الأستاذ أحمد حمود يرحمه الله يتصف بهذه الصفة "الشوق للإخوان" فطالما تلقى إخوانه اتصالاً منه يخبرهم في وهو صادق بأنه اشتاق إليهم وأذكر مرة اتصل عليّ وقد كنت في الحج فذكر لي هذه الكلمة فتأثرت بها كثيراً ويحكي لي أحد الإخوة أنه قبل وفاة الأستاذ أحمد بليلتين لقي أحد إخوانه فجذبه بيده وأجلسه بجانبه وأخذ يقول له أعطني أخبارك فقد اشتقت إليك.
فيا أيها الإخوان... لنتعلم الشوق لبعضنا لنسمو بوشائجنا ونرتفع بها عن الحب المبتذل وعن الحب الرسمي اللذان يفقدان الجوهر المكنون لهذا المعنى العظيم وليس بصعب علينا فوالله لأعلم أخاً إذا اتصل على إخوانه وهو بعيد عنهم فإن عينه تذرف شوقاً إليهم وإني لأعرف داعية أخبرني أنه يبكي إذا دعا لإخوانه من حبه لهم...
وإني لأتعجب أشد العجب من شاب لا يشتاق لثلة عاش معها دهراً طويلاً..! هل نسي طعامه معهم؟ وأنسه بهم؟ أما فقد بسماتهم النيرة؟! وتوجيهاتهم السديدة، وإعانتهم على الطاعة؟!
أيها الأحباب إن التعبير عن الشوق للاخت صابرين يكون بأشياء عدة منها: الابتهاج والبشاشة عند اللقاء.. وتستطيع أن تظهر شوقك بلطف الكلام وأعذبه.. كما قال ابن قدامه في مختصر منهاج القاصدين: "إن الأخوة كما تقتضي السكوت عن المكروه تقتضي النطق بالمحبوب، بل هو أخص بالأخوة فعلى الأخ أن يتودّد لأخيه بلسانه.. ويتفقّد أحواله.. ويسأل عما عرض له.. ويظهر شغل قلبه بسببه.. ويدي السرور بما يسر به" قال صلى الله عليه وسلم: "إذا أحب أحدكم أخاه فليعلمه" ويكون التعبير أيضاً بالاتصال والزيارة وبثّ الأحزان.
إذا أنت صاحبت فكن فتىً كأنك علوك لكل رفيق
وكن مثل طعم الماء عذباً وبارداً على الكبد الحريّ لكل صديق
أمي الغالية صابرين أشهد الله أني مشتاق لكتاباتك ولردودك الجميلة القيمة,ولموضوعاتك المفيدة التي ننهل منها دوما الخير الكثير
وإني لأعلم انك تتابعينا بصمت فأنت حريصة علينا كما نحن.
الأحد نوفمبر 18, 2007 3:25 pm